Saturday, January 23, 2010

هل التكلم بألسنه لغة مفهومه

هل التكلم بألسنه لغة مفهومه؟
إن التكلم بألسنة هو موهبة من مواهب الروح القدس التي أعطيت للرسل بانسكاب الروح القدس عليهم يوم الخمسين في العلية، وتكلموا بلغات البشر، كما سجل سفر أعمال الرسل في قوله:
"ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معاً بنفس واحدة ... وإمتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا.
وكان يهود رجال أتقياء من كل أمة تحت السماء ساكنين في أورشليم. فلما صار هذا الصوت اجتمع الجمهور وتحيروا لأن كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته. فبهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أتُرى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين، فكيف نسمع نحن كل واحد لغته التي ولد فيها: فرتيون ومادييون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهود وكبدوكية وبتس وآسيا وفيريجية وبمقيلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الله" (أع1:2ـ11)
فمن ذلك يتضح أن الرسل نطقوا بلغات بشرية متعددة، كما شهد الذين سمعوا الفرتيون والماديون والعلاميون والمصريون والرومانيون والعرب وغيرهم.
والملاحظ أن موهبة التكلم بألسنة أعطيت لأشخاص لم يكن لهم علم سابق باللغات التي نطقوا بها، وهذا هو ما حير السامعين إذ قالوا بعضهم لبعض: "أتُرى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين! فكيف نسمع نحن كل واحد لغته التي ولد فيها؟" (أع7:2ـ8).
ورب معترض يقول إن ما حدث يوم الخمسين لا جدال عليه، إذ هو نطق بلغات الناس، ولكن هناك نوع آخر من التكلم بألسنة، وقد ذكره بولس الرسول جنباً إلى جنب مع ألسنة الناس في قوله: "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ..." (1كو1:13)، فالألسنة التي للناس تستخدم في الكرازة، والتي للملائكة تستخدم في الصلاة.
إن هذا ما سوف نوضحه بالتفاصيل فيما يلي:
حقيقة ألسنة الناس والملائكة
هل يوجد نوعان من التكلم بألسنة؟
أم أنها موهبة واحدة لها استخدامان:
الواقع إن بولس الرسول في تعبيره "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة ..." (1كو1:13) ما كان يشير إلى نوعين من التكلم بألسنة، ونوع خاص بالملائكة، يُعطيان للبشر كموهبة من الروح القدس، وكأن ألسنة الناس تستخدم للكرازة، والتي للملائكة تستخدم للصلاة، إنما الحقيقة هي أن موهبة التكلم بالألسنة التي تعطى للناس هي نوع واحد ذات استخدامين، فهي إمكانية التكلم بلغات البشر المتنوعة سواءً أستخدمت للكرازة، أو في الصلاة. ونورد الأدلة العديدة التي تؤكد ذلك:
أولاً:- إن ما حدث يوم الخمسين للرسل في العلية انتظاراً لتحقيق موعد الآب بحلول الروح القدس عليهم كقول الرب إذ: "أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب" (أع4:1) هو أنهم إمتلأوا بالروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا (أع1:2ـ4).
والملاحظ هنا هو أن الرسل عندما كانوا مجتمعين في العلية بنفس واحدة (أع1:2) وتكلموا بالألسنة لم يكن معهم أحد من الجمهور، أي أن هذه الألسنة في بداية التكلم بها لم تستخدم لكرازة أحد، إلى أن اجتمع الشعب الذي كان خارج العلية، وبعد ذلك "لما صار هذا الصوت اجتمع الجمهور وتحيروا لأن كل واحد كان يسمعهم يتكلمون بلغته" (أع6:2).
نفهم من ذلك أن الألسنة التي نطقوا بها وهم بمفردهم كجماعة مؤمنين، هي نفسها التي سمعها الجمهور كل بلغته. أي أن الألسنة التي نطقوا بها في عبادتهم المنفردة، هي نفسها التي كُرز بها للشعوب التي كانت مجتمعة.
من ذلك يتضح أن الكلام بألسنة هي موهبة من نوع واحد، وهي النطق بلغات البشر، ولكن لها استخدامين، فقد استخدمت في الصلاة، واستخدمت كذلك في الكرازة بحسب قصد الروح القدس.
ثانياً:- يقول القمص زكريا بطرس في كتاب التكلم بالسنة في المفهوم الأرثوذكسي إن الكتاب المقدس لم يقل: "إن كنت أتكلم بألسنة الناس، وألسنة الملائكة" فهذه العبارة خطأ، ولكنه قال: "بألسنة الناس والملائكة" (1كو1:13) فكلمة "ألسنة" هنا التي ذكرت بصيغة الجمع، إنما هي اللغات العديدة التي يتكلم بها الناس، مضافاً إليها "لسان الملائكة" وليس "ألسنة الملائكة". لأنه لو كان للملائكة ألسنة متعددة لاحتاجوا أن يترجم بعضهم لبعض، ولما كانت بينهم وحدة في الفكر، وحاشا أن يكون الملائكة كذلك.
كما أن تعدد الألسنة وانقسامها إلى لغات متعددة لم يحدث إلاَ للبشر فقط عندما أخطأوا ببناء برج بابل، فبلبل الله هناك ألسنتهم إذ يقول الكتاب "وكانت الأرض كلها لساناً واحداً ولغة واحدة ... وقال الرب هوذا شعب واحد ولسان واحد لجميعهم ... هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض ... لذلك دعي إسمها بابل، لأن الرب بلبل لسان كل الأرض" (تك1:11ـ9). أما بالنسبة للملائكة فالأمر ليس كذلك، ولم يحدث أن بلبل الله لسانهم، إذن فلغتهم واحدة ولسانهم واحد.
ولو كانت موهبة الألسنة التي تعطى في الصلاة يقصد بها لسان الملائكة، ما كان بولس الرسول يشير إليها بصيغة الجمع "التكلم بألسنة" كما يتضح من الأمثلة التالية:
"لأن من يتنبأ أعظم ممن يتكلم بألسنة (وليس بلسان)" (1كو5:14).
"أشكر إلهي أني أتكلم بألسنة (وليس بلسان) أكثر من جميعكم"(1كو18:14).
"وقولـه: "إذا الألسنة ـ وليس اللسان ـ آية لا للمـؤمنين بل لغير المؤمنين" (1كو22:14).
وأيضاً: "فإن اجتمعت الكنيسة كلها في مكان واحد وكان الجميع يتكلمون بألسنة ـ وليس بلسان ـ فدخل عاميون أو غير مؤمنين أفلا يقولون أنكم تهذون" (1كو23:14).
فمن هذا يتضح أن موهبة التكلم بألسنة في الصلاة لا يقصد بها لسان الملائكة.
وعلاوة على ذلك فإن لغة الملائكة أي أسلوب التفاهم بينهم، هي بلا شك لغة مفهومة لها قواعدها ومعانيها، وليست مجرد أصوات مرتبكة ورطانة بلا معنى، الأمر الذي أشار إليه بولس الرسول بقـوله: "هكذا أنتم أيضاً إن لم تعطوا باللسان كلاماً يفهم فكيف يعرف ما تكلم به، فإنكم تكونون تتكلمون في الهواء. ربما تكون أنواع لغات هذا عددها في العالم وليس شي منها بلا معنى" (1كو9:14ـ10).
كما أن الملائكة أرواح، والتفاهم بين هذه الأرواح يعلو على مرتبة الحس والصوت المسموع بالأذن الحسية، فلغتهم لغة خاصة بهم كأرواح غير مادية، فكيف للبشر إذن أن يتكلموا بهذه اللغة الملائكية. (على أن الملائكة إذا كلموا البشر، كمرسلين من الله برسالة إلى أحد من الناس، فإنهم يتكلمون بلغة البشر).
ثالثاً:- وثمة دليل آخر على أن التكلم بألسنة هي نوع واحد، أن معلمنا بولس الرسول لم يفرق بين الألسنة، بل نراه يتكلم عن ألسنة الصلاة على أنها هي نفسها للكرازة والتعليم كما يتضح مما يلي:
"فالآن أيها الأخوة إن جئت إليكم متكلماً بألسنة فماذا أنفعكم إن لم أكلمكم إما بإعلان أو بعلم أو بنبوة أو بتعليم هكذا .. أنتم أيضاً إن لم تعطوا باللسان كلاماً يُفهم فكيف يعرف ما تُكلم به، فإنكم تكونون تتكلمون في الهواء" (1كو6:14ـ9).
فمن هنا يتضح أن موهبة الألسنة يعطى بها كلام يُفهم.
وقـوله:"ربما تكون أنواع لغات هذا عددها في العالم وليس شئ منها بلا معنى فإن كنت لا أعرف قوة اللغة أكون عند المتكلم أعجمياً والمتكلم أعجمياً عندي ... لذلك من يتكلم بلسان فليصلِ لكي يترجم" (1كو10:14ـ13).
من هذا يتضح بكل جلاء أنه يربط بين التكلم باللغات وبين ألسنة الصلاة على أنها موهبة واحدة لها استخدامان حسب احتياج الكنيسة.
رابعاً:- إن استخدام معلمنا بولس الرسول للتغير "ألسنة الناس والملائكة" في قوله إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة" (1كو1:13) إنما هو للتعبير عن شئ مستحيل، أو أقصى ما يمكن أن يصل إليه، مثال قوله:
"إن سلمت جسدي حتى احترق ولكن ليس لي محبة فلست شيئاً" (1كو3:13) ومن الثابت أن معلمنا بولس الرسول لم يحترق جسده، وإنما استخدم هذا التعبير ليوضح أنه مهما كان له من مواهب، أو مهما بذل من عطاء، ولم تكن له محبة فلا فائدة. ومثال آخر هو قوله: "فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محروماً من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو9:3)، وقد استخدم هنا أداة "لو" في قـوله "لو أكون ..." ومعروف أن هذه الأداة تفيد امتناع حدوث جواب الشرط لامتناع حدوث فعل الشرط. والواقع أن قول بولس الرسول بصدد التكلم بألسنة: "إن كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة" (1كو1:13) هو في الأصل اليوناني يستخدم أداة "لو" أي "لو كنت أتكلم بألسنة الناس والملائكة"
وهذا يوضح أن الكلام هو من قبيل الافتراض والإمتناع لا الواقع الممكن حدوثه
خامساً:- ومما يؤكد أنه لا يوجد نوعان من التكلم بألسنة، وأنه لا يوجد في موهبة التكلم بألسنة ما يسمونه بألسنة الملائكة، أنه لم ترد أية إشارة أخرى في الكتاب المقدس تؤيد هذا القول. ولا يمكن أن تؤسس عقيدة إيمانية على مجرد تلميح في معرض حديث إفتراضي غرضه بيان الحد الأقصى، ولا تسنده أدلة أخري، بل على العكس تقوم ضده أدلة دامغة صريحة.
مما تقدم يتأكد لنا أن موهبة التكلم بألسنة هي النطق بلغات البشر سواء كانت للكرازة أو الصلاة ونورد في الختام قولاً للقديس يوحنا ذهبي الفم يحسم هذا الموضوع مؤكداً أن ألسنة الصلاة هي لغات من لغات البشر المعروفة إذ قال: أرأبت كيف يصل الرسول بالتدريج إلي نقطة حاسمة في حديث عن التكلم بألسنة؟! فيوضح أنها بلا فائدة ليس للسامعين فقط بل أيضاً للمتكلم بها في قوله: "أما ذهني فهو بلا ثمر" (1كو14:14).
لأنه إن نطق إنسان بالفارسية أو بأي لغة أجنبية ولم يُفهم ما يقوله فهو بالتأكيد سوف يكون بربرياً عند نفسه، وليس عند الآخرين فقط إذ أنه لا يعرف ما تكلم به.
و يقول الاب بيشوي في كتاب موهبة التكلم بألسنة فكثيرون في القديم ممن كانت لهم موهبة الصلاة مع موهبة التكلم بألسنة، بينما كانوا يصلون كانوا يتكلمون بألسنة. فكانوا يصلون بالفارسية أو باللاتينية، ولكنهم ما كانوا يفهمون ما يصلون به: فلهذا قال الرسول: "إن كنت أصلي بلسان فروحي تصلي وأما ذهني فهو بلا ثمر.
ويلاحظ أن الرسول إنتقد هذا الموضوع الأخير، ولم يره مقبولاً روحياً.
ومما يجدر ملاحظته هو أن هذا الرأي قد ورد أثناء تفسر يوحنا ذهبي الفم لرسالة بولس الرسول الأولي إلى أهل كورنثوس، لا بهدف الرد على بدع أو هرطقات بل في سياق حديث عادى يكشف عن أنه رأي مستقر في الكنيسة وليس من يعارضه.
كما أنه من المؤكد تاريخياً أن هذا هو رأي جميع قديسي الكنيسة.
ويعلق ناشرو مجموعة أقوال الآباء على قول القديس يوحنا ذهبي الفم السالف الذكر بقولهم:
بناء على كل ما سبق إيضاحه، فإنه من المتيقن أن التكلم بألسنة ليس نوعين بل نوع واحد له استخدامان، وهو يتكلم بلغات البشر، سواء كان ذلك للكرازة أو في الصلاة، وأن التكلم بألسنة في الصلاة في الزمن الرسولي ليس هو رطانة وبلبلة بكلام غير مفهوم وأصوات بلا معنى، بل بلغات حقيقية من لغات البشر.

الإمتلاء بالروح القدس

الإمتلاء بالروح القدس
لقد ورد هذا التعبير "الامتلاء بالروح" ثلاث مرات في الأناجيل وست مرات في سفر الأعمال ومرة واحدة في الرسائل وبجانب هذا نجد في سفر الخروج (31: 3، 35: 31) أن بصلئيل امتلأ بروح الله في الحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة لاختراع مخترعات... الخ. وفي (خر28: 3) نجد أن كل أولئك الذين ملأهم الله بروح الحكمة كان عليهم أن يصنعوا ملابس هرون المقدسة. وعن يشوع قيل أنه امتلأ بروح الحكمة (تث 34: 9).
في (لو1: 15، 16) قيل عن يوحنا المعمدان أنه "من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" وفي (لو1: 41، 67) نقرأ عن امتلاء أليصابات وزكريا بالروح القدس.
وفي (أع2: 4) نقرأ عن انسكاب الروح القدس يوم الخمسين وأن كل التلاميذ امتلأوا بالروح القدس وأدّوا شهادة قوية حتى أن ثلاثة آلاف آمنوا وانضموا إلى الكنيسة.
وفي (أع4: 8) نقرأ أن بطرس امتلأ بالروح القدس وشهد بقوة أمام مجمع السنهدريم، وفي (أع4: 31) "لما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بكل مجاهرة".
وفي (أع9: 17) يقول الرب لحنانيا أن يذهب لشاول لأنه "إناء مختار" وعندما ذهب حنانيا قال له "أرسلني الرب يسوع الذي ظهر لك في الطريق الذي جئت فيه لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس". وفي (أع13: 9) يذكر أن بولس امتلأ من الروح القدس وأوقع حكماً على عليم الساحر لكي يضع حداً لافترائه ومقاومته للحق. وبرغم الاضطهاد الذي وقع من اليهود على بولس وبرنابا، نقرأ في (ع52) أن التلاميذ امتلأوا من الفرح والروح والقدس.
وفي (أف5: 3- 21) نجد كيف يجب أن يسلك أبناء النور في وسط أبناء المعصية، بالمباينة معهم "لا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة بل امتلئوا بالروح".
هذه هي كل الفصول التي تتكلم عن الامتلاء بالروح في الكتاب المقدس. وبقراءة هذه الفصول نخلص إلى الحقائق التالية:
1. أن الامتلاء بالروح القدس لا يقصد به سكنى الروح القدس، لأن الروح القدس لم يسكن في المؤمنين إلا بعد يوم الخمسين (أع2). وهذا واضح أيضاً في (يو14: 16- 18، 26 أف1: 13، 14، 2كو1: 22). فالروح القدس يسكن في المؤمن بعد إيمانه بالإنجيل، بينما قيل عن يوحنا المعمدان أنه امتلأ من الروح القدس من بطن أمه طبقاً لما جاء في (لو 1: 15). وفي (أع 4: 31) قيل أن الجميع امتلأوا (أصبحوا ممتلئين) من الروح القدس، مع أنهم كانوا قد حصلوا على سكنى الروح القدس في (أ‘2) بل وقيل عنهم أيضاً أنهم امتلأوا من الروح القدس، تماماً كما قيل أيضاً عن بطرس في (أ‘4: 8) أنه امتلأ من الروح القدس. وبعد أن خُتم المؤمنون في أفسس بالروح القدس حسب (أف1: 13) (قارن مع 2كو1: 22) فإنه يطلب منهم في (أف5: 18) كمسؤولية أو واجب عليهم أن يتمموه، أن يمتلئوا بالروح.
2. من كل هذا نفهم أن الامتلاء بالروح ليس حالة دائمة ولكنها مؤقتة. ويبدو أن وضع يوحنا المعمدان كان استثناء من هذه القاعدة بسبب خدمته الخاصة المكلف بها.
3. يتضح أيضاً مما سبق أن الامتلاء بالروح القدس هو لأجل العمل للرب ولأجل الشهادة لاسمه.
4. من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن الكتاب لا يربط الامتلاء بالروح بعمل آيات أو عجائب أو التكلم بألسنة. فإننا لا نجد في أي موضع في العهد القديم أو العهد الجديد، حيثما ذكر الامتلاء بالروح، ذكر آيات أو معجزات أو تكلم بألسنة (لغات أجنبية) ما عدا ما جاء في (أع2: 4) حيث تكلموا بألسنة أخرى؛ (أع13: 9) عندما ضُرب عليم الساحر بالعمى إلى حين. ومن الفصول الثلاثة في سفر الأعمال التي نجد فيها ذكراً للتكلم بألسنة (أع2: 4، 8، 11، 10: 46، 19: 6) يتضح لنا أن التكلم بألسنة ارتبط بانسكاب الروح القدس على الثلاث فئات: اليهود في أورشليم، ثم الأمم في بيت كرنيليوس، وأخيراً تلاميذ يوحنا المعمدان بعيداً عن أرض اليهودية، أي أن التكلم بألسنة في سفر الأعمال ارتبط بسكنى الروح القدس وليس بالامتلاء بالروح القدس (نظراً أيضاً 1كو12، 14). وأيضاً من العبارات التي في الأناجيل كما في السبع عشرة عبارة في سفر الأعمال التي ذكرت فيها الآيات يتضح بوضوح تام أن الكتاب لا يربط الآيات بالامتلاء بالروح، مع أنه في حالة واحدة قيل أن الذي عمل الآية كان مملوءاً بالروح (أع13: 9). ويقول الكاتب كينيث هيجين في أحد مقالاته أن علينا أن نلاحظ أن المؤمنين في (أ‘4: 23- 31) صلوا قائلين "يا رب انظر إلى تهديداتهم وامنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة بمد يدك للشفاء ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع" وقد استجاب الله لهذه الصلاة وأعطاهم المجاهرة والقوة التي طلبوها ولكن ليس عن طريق الآيات والعجائب، بل ملأهم بالروح القدس فتكلموا بكلام الله بكل مجاهرة.
5. لا يذكر في أي موضع من الكتاب أن الامتلاء بالروح ثم بعد وضع الأيدي ما عدا الحالة التي فيها وضع حنانيا يديه على بولس وقال له "أيها الأخ شاول قد أرسلني الرب يسوع.... لكي تبصر وتمتلئ من الروح القدس" (أع9: 17). ولم يذكر الكتاب أن بولس امتلآ بالروح القدس في تلك اللحظة عن طريق وضع يدي حنانيا بل لم يذكر قط أن الامتلاء بالروح يتم عن طريق وضع الأيدي في أي فصل من فصول كلمة الله. وبجانب "الامتلاء بالروح" نجد تعبيراً آخر "مملوء من الروح القدس". ويرد أربع مرات في كلمة الله. هذا التعبير قيل عن الرب يسوع في (لو4: 1) وكذلك عن استفانوس في (أع6: 5، 7: 55) وعن برنابا في (أع11: 24).
وعندما نقرأ هذه العبارات نرى أن الأمر هنا لا يقصد به القوة للخدمة بل بالحري حالة الشخص العملية، فيكون المؤمن في حالة تسمح للروح القدس أن يمتلك حياته كلها ويعمل فيها بدون عائق. ففي حالة استفانوس كما في حالة برنابا، كان الملء بالروح والملء بالإيمان يسيران جنباً إلى جنب، لكن لا في هذه الحالة ولا في تلك ارتبط الملء بالروح بالتكلم بألسنة أو بعمل الآيات والمعجزات.
ويتكلم الكتاب أيضاً عن المؤمنين أنهم ممسوحين بالروح وأنهم خُتموا بالروح القدس. فترد المسحة فقط في (2كو1: 21) "ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا وقد مسحنا هو الله" وفي (1يو2: 20، 27) إذ يخاطب يوحنا الأولاد قائلاً "وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس" "وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم" ومن هذين العددين الأخيرين نرى بوضوح أن المقصود بالمسحة هو الثبات في الحق والقدرة على تمييز ما ليس من الله (قارن مع رؤ3: 18).
وعن ستانلي هورتون في كتاب علم الروح القدس يقول أن "الختم" يُذكر فقط في (2كو1: 22) وكذلك في (أف1: 13، 4: 30) وفي هذه الثلاثة مواضع يذكر الختم بالارتباط مع يقينية حصولنا على الميراث. لقد وضع الله ختمه علينا وبذلك أعطانا اليقين أننا نحن صرنا ملكاً له (قارن رؤ7: 3)، وفي كلتا الحالتين سواء المسحة أو الختم فإنهما يذكران بالارتباط مع جميع المؤمنين منظوراً إليهم أنهم في وحدة معاً بسكنى الروح القدس (2كو1: 21، 22). وأنا أتفق معه على هذا الرأي.

Tuesday, January 19, 2010

حياة القداسة

من الواضح انه في حياتنا العملية انه لا نستطيع أن نصل إلى درجة من القداسة دون أن يعمل الله في حياتنا . و لكنه من الطرف الآخر لا يستطيع احد أن يصل على القداسة من دون جهد من جابيه.ولكن قلما نتحدث عن مسؤولياتنا في السلوك في القداسة ، و أرى سببين لذلك: أولا : لا توجد لدينا الرغبة في ان نواجه مسؤوليتنا و نفضل أن نترك الأمور على الرب وحده. ثانيا : عدم فهمنا للفرق بين معونة الله و مسؤوليتنا الشخصية للقداسة.
هناك حوافز تشجعنا للعيش في القداسة. أولا: قداسة الله نفسه ، حسب بطرس الأولى 1 : 15- 16 " بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا انتم أيضا قديسين في كل سيرة لأنه مكتوب كونوا قديسين لاني أنا قدوس", بالله يدعونا شخصيا لحياة القداسة لان القداسة هي طبيعته. قد يكون مقدار القداسة عند البعض و حياة غيرهم ممن حولهم فيقعون في الخطأ لكن الله القدوس هو مثالنا الأعظم.ثانيا : الكتاب نفسه يطلب منا ان نعيش في القداسة و هو ليس مجرد اختيارا حسب عبرانيين 12 : 14 " اتبعوا السلام مع الجميع و القداسة التي بدونها لن يرى احد الرب" فيقول جبري بردجز ، في كتاب اتبعوا القداسة ص 27 " ان هذه الآية تتضمن نقطتين. الاولى ان احسن لا يستطيعون من ذواتهم ان يحصلوا على الخلاص عن طريق قداستهم الشخصية.الثانية ان نعمة الله نشير مرارا و تكرارا الى بر و طاعة المسيح بالنيابة عنا حسب رومية 5 : 19 .و هنا ارى انه يحاول القول انه علينا ان نجاهد للحصول على هذه القداسة. فالخلاص الحقيقي لا بد ان يولد فينا الرغبة في ان نكون قديسين . و يضيف اولفر غرين في كتابه "RIGHTLY DIVINDING THE WORD " ص 89 " ان هدف الخلاص هو ان نكون قديسين و بلا لوم قدامه حسب افسس 1 : 4 . ان استمرارنا في العيش في الخطية يعني أننا نسير في عكس قصد الله في خلاصنا .و لكني أريد أن أضيف هنا أنّ القداسة هي ليست شرط للخلاص و إلا لكان الخلاص بالأعمال لكن القداسة متضمنة بالخلاص.
ايضا يقول جبري بردجز في صفحة 32 اولا: " ان القداسة المطلوبة لاجل سعادتنا الشخصية حسب عبرانيين 12 : 6 و 1 كورنثوس 11 : 30 فعدم العيش في القداسة يجلب التأديب الهي لحياتنا . ثانيا : القداسة ضرورية للخدمة المثمرة 2 تيمو 2 : 21
ثالثا ،و هي الاهم، القداسة ضرورية لاجل يقين خلاصنا حسب 2 كور 5 : 17 " ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة" فالإيمان الحقيقي يظهر من ثماره.
يقول اولفر غرين في كتابه" RIGHTLY DIVINDING THE WORD " ص 88 – 89 : ان هناك مسؤولية علينا تجاه الانسان الجديد فينا حيث العش في قداسة غلاطية 5 : 25 " ان كنا نعيش بالروح فلنسلك ليضا بحسب الروح " . فنحن ليس مجرد اموات عن الخطية لكننا احياء للمسيح حسب رومية 6 : 11 .نعم ان حياة القداسة هي امر اكيد و مطلوب لحياتنا حسب افسس 4 : 24 - 25 " وتلبسوا الانسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر و قداسة الحق ، لذلك اطرحوا عنكم الكذب و تكلموا بالصدق كل واحد مع قريبه لان بعضنا اعضاء بعض " .وهذا ايضا ما يؤكده بطرس الرسول في رسالته الثانية الاصحاح 1 : 8 – 12 .ايضا رومية 13 : 14 تؤكد ان على المؤمن ان يعيش بحسب هذه القداسة التي هي في المسيح يسوع . يجب علينا ان ننقاد بروح الله القدوس ليساعدنا ان نعيش كأبناء الله بحسب القداسة المدعوون لها من الله رومية 8 : 14 . يقول تشارلز سويندول في كتابه ( حطّم القيود بالنعمة) ص 82 " ان اجابة الرسول بولس في رومية 6 للسؤالين بكلمة حاشا يقودان الى ما يلي : فالسؤال الاول شير الى المؤمنين الذين آمنوا حديثا و يفشلون في التحرر من الخطية و يستمرون في الحياة كعبيد فيبطلون عمل النعمة . اما السؤال الثاني في عدد 15 فهو يخاطب المؤمنين الذين تحرروا من الخطية الى حد كبير و لكنهم أساءوا استخدام هذه الحرية و يحبون حياة عدم المسؤولية فمثل هؤلاء يسيئون الى النعمة .
أنا أريد أن أتجرأ و اقو لان كثيرين من المسيحيين المؤمنين يحفظون يوحنا الاولى 1 : 9 "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين و عادل حتى يغفر لما خطايانا و يطهرنا من كل إثم" و لكن قليلين هم الذين يتمسكوا برومية 6 : 13 " ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات و أعضاءكم أداة بر لله".
يقول الرسول بولس في رسالته الى تيطس 2 : 11 – 14 ان حياة القداسة متضمنة في الخلاص و هذا ما يؤكده كاتب المقالة (http://www.hallvworthington.com/grace.html) .
ففي النهاية لا يمكننا الاعتماد على ما يسمى بالنعمة الرخيصة حيث يقوم بعض المؤمنين بالتلاعب بالنص الكتابي لمحاولة تبرير عدم العيش بالقداسة بمفهوم الكتاب المقدس ." بل علينا أن نعمل أعمال تليق بالتوبة " و هذا ما يعلمنا إياه الكتاب المقدس حسب ما ورد في أعمال 26 : 20 " بل اختبرت أولا الذين في دمشق و في أورشليم حتى جميع كورة اليهودية ثم الأمم أن يتوبوا و يرجعوا إلى الله عاملين أعمالا تليق بالتوبة.
و يضيف بطرس الرسول في رسالته الاولى الاصحاح 1 : 13 – 25 انه علينا كأولا د الطاعة ان نعيش في قداسة و مصدر هذه القداسة هو الله بطبيعته. فكأولاد للطاعة علينا ان نظهر ايماننا باعمالنا حسب رسالة الانجيل . فما يقوله هنا بطرس الرسول ان الله يتوقع منا كأولاد له ان نفتكر و نتصرف ليس كباقي العالم بل ان نعيش في قداسة و انا ارى ان هذا الشيء اكبر حافز لي لأعيش في قداسة لاني اريد ان اسر قلب الله، فهو سوف يساعدنا على ذلك من خلال الروح القدس الساكن فيّ، آمين.

Search This Blog